فصل: فيمَنْ سَرَقَ خَمْرًا أَوْ شَيْئًا مِنْ مُسْكِرِ النَّبِيذِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.فيمَنْ سَرَقَ خَمْرًا أَوْ شَيْئًا مِنْ مُسْكِرِ النَّبِيذِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْطَعُ سَارِقُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَإِنْ سَرَقَهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يُقْطَعُ وَأُغْرِمَ ثَمَنَهُ لَهُمْ إذَا كَانَ سَرَقَهُ مِنْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ مُسْكِرَ النَّبِيذِ؟
قَالَ: هَذَا خَمْرٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ الطَّيْرِ، بَازِيًا أَوْ غَيْرَهُ؟
قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ الطَّيْرِ قُطِعَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ السِّبَاعَ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ لُحُومُهَا، أَيُقْطَعُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَنْظُرَ، فَإِنْ كَانَ في جُلُودِهَا مَا لَوْ ذُكِّيَتْ كَانَ فيهَا قِيمَةُ مَا يُقْطَعُ فيهِ لَرَأَيْتَ أَنْ يُقْطَعَ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا بَأْسَ بِجُلُودِ السِّبَاعِ إذَا ذُكِّيَتْ يُصَلَّى بِهَا وَعَلَيْهَا وَتُؤْكَلُ أَثْمَانُهَا، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يُذَكِّيَهَا وَيَبِيعَ جُلُودَهَا وَلَيْسَتْ مِثْلَ جُلُودِ الْمَيْتَةِ.
قَالَ: وَلَقَدْ قَالَ مَالِكٌ في جُلُودٍ الْمَيْتَةِ: لَا قَطْعَ فيهَا.
فَقِيلَ.
لَهُ: فَإِنْ دُبِغَتْ ثُمَّ سُرِقَتْ؟
قَالَ: إنْ كَانَ فيهَا مِنْ صَنْعَتِهَا مَا يَكُونُ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ سِوَى جُلُودِهَا رَأَيْتُ أَنْ يُقْطَعَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَكَذَلِكَ جُلُودُ السِّبَاعِ وَلُحُومُهَا، مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ في جُلُودِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ سَرَقَ كَلْبًا؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُقْطَعُ في الْكَلْبِ.
قُلْت: صَائِدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ صَائِدٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
وَهُوَ رَأْيِي، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ ثَمَنَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَسْرِقُ النَّخْلَةَ بِأَصْلِهَا فيهَا ثَمَرَةٌ، أَيُقْطَعُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً ثَابِتَةً وَالشَّجَرُ كُلُّهَا.
قَالَ مَالِكٌ: بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا قَطَعَهَا وَوَضَعَهَا في الْجِنَانِ فَكَانَ ذَلِكَ حِرْزًا لَهَا قُطِعَ سَارِقُهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْجَرِينَ إذَا جُمِعَ فيهِ الْحَبُّ وَالتَّمْرُ فَغَابَ عَنْهُ صَاحِبُهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَلَا بَابٌ وَلَا غِلْقٌ، فَسَرَقَ مِنْهُ سَارِقٌ، أَيُقْطَعُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ يُقْطَعُ عِنْدَ مَالِكٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمْتِعَاتِ الَّتِي في الْأَفْنِيَةِ الَّتِي تُبَاعُ، أَنَّ سَارِقَهَا يُقْطَعُ، كَانَ عِنْدَهَا صَاحِبُهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ مَالِكٍ، لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَرِيسَةَ إذَا أَوَاهَا الْمُرَاحُ وَإِنْ كَانَ مُرَاحُهَا في غَيْرِ الدُّورِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا حِيطَانٌ وَلَا أَغْلَاقٌ، وَبَاتَ أَهْلُهَا في بُيُوتِهِمْ، فَسَرَقَ مِنْهَا سَارِقٌ، أَنَّهُ يُقْطَعُ في قَوْلٍ مَالِكٍ.
وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ الَّتِي في مَرَابِطِهَا الْمَعْرُوفَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أَبْوَابٌ وَلَا أَغْلَاقٌ، وَلَا أَهْلُهَا عِنْدَهَا، فَإِنَّ سَارِقَهَا يُقْطَعُ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُسَافِرَ إذَا سَافَرَ فَوَضَعَ مَتَاعَهُ في خِبَائِهِ أَوْ خَارِجًا مِنْ خِبَائِهِ، فَذَهَبَ لِاسْتِقَاءِ الْمَاءِ أَوْ لِحَاجَتِهِ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ فَسَرَقَهُ سَارِقٌ، أَيُقْطَعُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقْطَعُ، وَالْإِبِلُ إذَا كَانَتْ في رَعْيِهَا لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُهَا، فَإِنْ أَوَاهَا مُرَاحُهَا قُطِعَ مَنْ سَرَقَهَا مِنْ هُنَاكَ.
قُلْت: فَلَوْ ضَرَبَ فُسْطَاطَه في السَّفَرِ فَسَرَقَ الْفُسْطَاطَ سَارِقٌ، أَيُقْطَعُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ يُقْطَعُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْطَعُ في الْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ في غَيْرِ خِبَاءٍ، فَكَذَلِكَ الْخِبَاءُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَتَى إلَى قِطَارٍ فَاحْتَلَّ مِنْهُ بَعِيرًا أَوْ سَرَقَ مِنْ مَحْمَلٍ شَيْئًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقْطَعُ مَنْ احْتَلَّ بَعِيرًا مِنْ الْقِطَارِ، أَوْ أَخَذَ مِنْ الْمَحْمَلِ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ.
قلت: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذَ غَرَائِرَ عَلَى الْبَعِيرِ أَوْ شَقَّهَا فَأَخَذَ مِنْهَا الْمَتَاعَ، أَيُقْطَعُهُ في الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَخَذَ ثَوْبًا مُلْقًى عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ مُسْتَسِرًّا بِذَلِكَ قُطِعَ.
قُلْت: فَإِنْ أَخَذَهُ غَيْرَ مُسْتَسِرٍّ قَالَ: إذَا أَخَذَهُ مُخْتَلِسًا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: لِمَ لَا يَقْطَعُ مَالِكٌ الْمُخْتَلِسَ؟
قَالَ: مَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَقَدْ قَالَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لَا يُقْطَعُ الْمُخْتَلِسُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ النَّبَّاشَ أَيُقْطَعُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْقَبْرِ قُطِعَ.
وَقَدْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرَبِيعَةُ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الرُّفَقَاءَ في الْأَسْفَارِ يَنْزِلُ كُلُّ قَوْمٍ عَلَى حِدَةٍ فيسْرِقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهَا فَقَالَ يُقْطَعُونَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ فيهَا الْمَقَاصِيرُ وَالسُّكَّانُ مُتَحَاجِزِينَ، فيسْرِقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أَنَّهُ يُقْطَعُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا طَرَحَ ثَوْبًا لَهُ في الصَّحْرَاءِ وَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ وَهُوَ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ إلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ فَسَرَقَهُ سَارِقٌ مُسْتَسِرًّا، أَيُقْطَعُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ مَنْزِلًا نَزَلَهُ في ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَ فيهِ ثَوْبَهُ قُطِعَ في رَأْيِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْزِلًا نَزَلَهُ لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُهُ.
قُلْت: وَإِنَّمَا يُنْظَرُ في هَذَا إلَى الْمَنَازِلِ وَالْبُيُوتِ وَالدُّورِ، وَهِيَ الْحِرْزُ فَمَنْ سَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: نَعَمْ إنْ غَابَ أَرْبَابُهَا أَوْ حَضَرُوا.
قَالَ: وَإِنَّمَا يُنْظَرُ في هَذَا إلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي جُعِلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ حِرْزًا لَهَا، فَمَنْ سَرَقَ مِنْ هُنَاكَ قُطِعَ.
وَظُهُورُ الدَّوَابِّ إذَا وُضِعَ عَلَيْهَا الْمَتَاعُ حِرْزٌ لِذَلِكَ الْمَتَاعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ الْقِطَارُ يُقَادُ فيأْخُذُ مِنْهُ رَجُلٌ بَعِيرًا فَذَلِكَ حِرْزُهُ.
قُلْت: فَإِنْ احْتَلَّ الْبَعِيرَ فَأَخَذَ مَكَانَهُ، أَيُقْطَعُ أَمْ حَتَّى يُنَحِّيَهُ؟ وَكَيْفَ إنْ كَانَ إنَّمَا نَحَّاهُ قَلِيلًا؟
قَالَ: لَمْ يَحُدَّ لَنَا مَالِكٌ في ذَلِكَ حَدًّا إلَّا أَنَّهُ إذَا احْتَلَّهُ عَنْ مَرْبِطِهِ وَسَارَ بِهِ وَصَارَ في يَدَيْهِ قُطِعَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ النَّبَّاشَ، مَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي طَرَحَ ثَوْبَهُ في الصَّحْرَاءِ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِمَا فيهِ.
قُلْت أَرَأَيْتَ إذَا طَرَّ مِنْ كُمِّ رَجُلٍ أَوْ مِنْ ثِيَابِهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ أَوْ مَنْ خَارِجِ الْكُمِّ، أَيُقْطَعُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقْطَعُ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ أَخْرَجَ مِنْ خُفِّهِ دَرَاهِمَ، أَيُقْطَعُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ في رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الصَّبِيَّ الْحُرَّ إذَا سَرَقَهُ رَجُلٌ، أَيُقْطَعُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا سَرَقَهُ مِنْ حِرْزِهِ قُطِعَ.
قُلْت: وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ في هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يَسْوَى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ خِرْقَةً لَا تَسْوَى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَفي نَاحِيَةِ الثَّوْبِ أَوْ الْخِرْقَةِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ مَصْرُورَةٌ، أَيَقْطَعُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَرَقَ ثَوْبًا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّ في مِثْلِهِ يُسْتَرْفَعُ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ قُطِعَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ فيهِ حِينَ سَرَقَهُ قُطِعَ وَلَا يَنْفَعُهُ جَهَالَتُهُ.
وَمَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ مِثْلَهُ لَا يُرْفَعُ فيهِ الذَّهَبُ وَلَا الْوَرِقُ، مِثْلُ الْخَشَبَةِ وَالْحَجَرِ وَالْعَصَا، فَسَرَقَهُ سَارِقٌ وَفيهِ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ وَقِيمَةُ الَّذِي سُرِقَ لَيْسَ يُقْطَعُ في مِثْلِهِ إلَّا أَنَّ فيهِ ذَهَبًا كَثِيرًا أَوْ فِضَّةً كَثِيرَةً، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَكُونَ قِيمَةُ الَّذِي سَرَقَ بِعَيْنِهِ سِوَى مَا فيهِ رُبْعُ دِينَارٍ فَصَاعِدًا.
أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ عَبْدًا كَبِيرًا أَعْجَمِيًّا، أَيُقْطَعُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ عَبْدًا كَبِيرًا فَصِيحًا، أَيُقْطَعُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ إذَا سَرَقَهُ؟
قَالَ: لَا يُقْطَعُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ سَرَقَ نَعْجَةً، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ كَبْشًا أَيَقْطَعُهُ؟
قَالَ: لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا قَدْ اخْتَلَفَتْ.
قُلْت: وَلَا يَرَاهُمَا قَدْ اجْتَمَعَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى السَّرِقَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ في الَّذِي سَرَقَ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا قَدْ شَهِدَا أَنَّهُ سَارِقٌ، اجْتَمَعَا في ذَلِكَ وَافْتَرَقَا في الَّذِي سَرَقَ؟
قَالَ: إذَا افْتَرَقَا في الَّذِي سَرَقَ عِنْدَ مَالِكٍ لَمْ أَقْطَعْهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا عَلَى عَمَلِ وَاحِدٍ، وَالسَّرِقَةُ عَمَلٌ مِنْ الْأَعْمَالِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، فَلَا يُقْطَعُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا يُقْطَعُ.
قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَخَلَ سَارِقٌ فَسَرَقَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مَنْ حِرْزِهِ فَخَرَجَ وَقَدْ أَكَلَهُ، أَيَقْطَعُهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْطَعُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذَ دُهْنًا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَدَهَنَ بِهِ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ في الْحِرْزِ ثُمَّ خَرَجَ بِهِ وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ في رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، أَيُقْطَعُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ مَا خَرَجَ بِهِ في رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مِنْ الدُّهْنِ إنْ سُلِتَ بَلَغَ رُبْعَ دِينَارٍ فيقْطَعُ وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَخَلَ الْحِرْزَ فَذَبَحَ شَاةً فَأَخْرَجَهَا مَذْبُوحَةً، أَوْ دَخَلَ الْحِرْزَ فَحَرَقَ ثِيَابًا ثُمَّ أَخْرَجَهَا مُحْرَقَةً، أَوْ أَفْسَدَ طَعَامًا في الْحِرْزِ أَخْرَجَهُ وَقَدْ أَفْسَدَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ.
خَارِجًا مِنْ الْحِرْزِ حِينَ أَخْرَجَهُ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قُطِعَ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ دَاخِلَ الْحِرْزِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذَ وَقِيمَةُ الْمَتَاعِ الَّذِي أَخْرَجَ مِنْ الْحِرْزِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَكَانَ قِيمَتُهُ يَوْمَ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ دِرْهَمَيْنِ، أَيُقْطَعُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ السَّرِقَةِ يَوْمَ سَرَقَهَا وَلَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهَا بَعْدَ ذَلِكَ غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا يَوْمَ أَخْرَجَهَا مِنْ حِرْزِهَا مَا يُقْطَعُ في مِثْلِهِ قُطِعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ في قِيمَتِهَا يَوْمَ أَخْرَجَهَا مَا يُقْطَعُ في مِثْلِهِ لَمْ يُقْطَعْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، أَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ يَدُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُمْنَى في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ ضُرِبَ وَحُبِسَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ وَلَيْسَ لَهُ يَمِينٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَنَا مِنْهُ، وَلَكِنْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ قَالَ: تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى.
وَقَدْ كَانَ وَقَفَ عَلَى قَطْعِ رِجْلِهِ بَعْدَمَا قَالَهُ ثُمَّ قَالَ: تُقْطَعُ الْيَدُ وَقَوْلُهُ في الرِّجْلِ أَحَبُّ إلَيَّ وَهُوَ الَّذِي آخُذُ بِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الَّذِي لَا يَدَيْنِ وَلَا رِجْلَيْنِ لَهُ إذَا سَرَقَ وَهُوَ عَدِيمٌ لَا مَالَ لَهُ، فَاسْتَهْلَكَ سَرِقَتَهُ فَأُخِذَ، أَتَضْرِبُهُ وَتَسْجُنُهُ وَتُضَمِّنُهُ السَّرِقَةَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَنَا مِنْهُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا سَرَقَ وَهُوَ عَدِيمٌ لَا مَالَ لَهُ فَاسْتَهْلَكَ الرَّجُلُ الْحُرُّ السَّرِقَةَ وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ أُخِذَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَقَدْ اسْتَهْلَكَ السَّرِقَةَ، فَإِنْ كَانَ يَوْمَ قُطِعَتْ يَدُهُ مُعْسِرًا لَمْ يُتْبَعْ بِهَا، وَإِنْ كَانَ يُسْرُهُ ذَلِكَ قَدْ ذَهَبَ مِنْهُ ثُمَّ أَعْسَرَ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ وَقَدْ أَيْسَرَ ثَانِيَةً بَعْدَ الْعُسْرِ لَمْ يُؤْخَذْ أَيْضًا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ سَرَقَ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أُخِذَ وَهُوَ مُوسِرٌ قُطِعَتْ يَدُهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إذَا سَرَقَ وَهُوَ مُوسِرٌ فَتَمَادَى بِهِ ذَلِكَ الْيُسْرُ إلَى أَنْ قُطِعَ، فَهَذَا الَّذِي يَضْمَنُ السَّرِقَةَ في يُسْرِهِ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُطِعَ لَمْ يَضْمَنْ تِلْكَ السَّرِقَةَ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهَا وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ قُطِعَ وَلَمْ يَضْمَنْ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَ السَّرِقَةَ.

.الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ وَخَطَأُ الْإِمَامِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَشْهَدُ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ سَرَقَ، ثُمَّ أَتَيَا بِآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَقْطَع الْقَاضِي هَذَا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ فَقَالَا: وَهَمُّنَا هُوَ هَذَا الْآخَرُ؟ قَالَ لَا أَرَى أَنْ يُقْطَعَ هَذَا وَلَا هَذَا.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا أَخْطَأَ بِهِ الْإِمَامُ أَنَّ ذَلِكَ في بَيْتِ الْمَالِ؟
قَالَ: حَرَصْنَا أَنْ نَسْمَعَ مِنْ مَالِكٍ في ذَلِكَ شَيْئًا فَأَبَى أَنْ يُجِيبَنَا، وَأَرَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِثْلُ خَطَأِ الطَّبِيبِ وَالْمُعَلَّمِ وَالْخَاتِنِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا؟
قَالَ: ذَلِكَ لَهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَةٍ فَرَجَعَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يُقْضَى بِهَا فَلَهُ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَمَّا الشَّاهِدَانِ إذَا رَجَعَا، إنْ كَانَا عَدْلَيْنِ بَيِّنَةً عَدَالَتُهُمَا، وَأَتَيَا مِنْ أَمْرِهِمَا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ صِدْقُ قَوْلِهِمَا، وَأَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدَا فيهِ حَيْفًا، لَمْ أَرَ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا شَيْءٌ، وَأُقِيلَا وَجَازَتْ شَهَادَتُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا تَبَيَّنَ صِدْقُ مَا قَالَا، وَإِنْ كَانَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بَيَانِهِ وَمَعْرِفَةِ صِدْقِهِ، لَمْ أَرَ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمَا فيمَا يَسْتَقْبِلَانِ، وَلَوْ أُدِّبَا لَكَانَا لِذَلِكَ أَهْلًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بَعْدَمَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا، وَقَدْ شَهِدَا في دَيْنٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا يَحْكِي عَنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، إلَّا أَنِّي أَرَى أَنْ يَضْمَنَا ذَلِكَ في الدَّيْنِ، وَيَكُونُ عَلَيْهِمَا الْعَقْلُ في الْقِصَاصِ في أَمْوَالِهِمَا، وَتَكُونُ عَلَيْهِمَا قِيمَةُ الْعِتْقِ.
وَفي الطَّلَاقِ، إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الصَّدَاقِ.
وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ في الْأَمْوَالِ: أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ غُرْمَ ذَلِكَ في أَمْوَالِهِمْ، أَخْبَرَنِي بِهِ مِنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إذَا زَكِيَتْ الْبَيِّنَةُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي، أَيَقُولُ الْقَاضِي لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إنَّهُمْ قَدْ شَهِدُوا، وَقَدْ زُكُّوا، فَعِنْدَك مَا تَدْفَعُ بِهِ شَهَادَتَهُمْ عَنْك؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ في السِّرِّ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى إنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَتْ عَلَيْهِ الشُّهُودُ، يَعْرِفُ وَجْهَ التَّجْرِيحِ وَلَا يَجْهَلُ ذَلِكَ، لَمْ أَرَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ جَرِّحْ إنْ شِئْتَ.
وَإِنْ كَانَ يَجْهَلُ ذَلِكَ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْرَحَهُمْ، مِثْلُ الْمَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ أَوْ الرَّجُلِ الْجَاهِلِ، رَأَيْتَ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي ذَلِكَ وَيُخْبِرَهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْرَحَهُمْ وَيَدْفَعَ شَهَادَتَهُمْ عَنْ نَفْسِهِ، لَعَلَّ عِنْدَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، أَوْ شَرِكَةٌ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ الْمُعَدِّلُونَ.
وَذَلِكَ أَنِّي سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ حَقًّا وَقَدْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُخَالَطَةٌ، فيقَالُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: احْلِفْ وَابْرَأْ فينْكُلُ عَنْ الْيَمِينِ، أَتَرَى أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ أَمْ يَقُولَ الْإِمَامُ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ وَاسْتَحِقَّ.
وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَطْلُبْ يَمِينَ الْمُدَّعِي؟
قَالَ مَالِكٌ: فَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِالْحَقِّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ أَنَّ الْحَقَّ حَقُّك، فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا لَمْ يَقْضِ لَهُ بِشَيْءٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ لَيْسَ كُلُّهُمْ يَعْرِفُ أَنَّ الْيَمِينَ تَرُدُّهُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمُدَّعِيَ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك في التَّجْرِيحِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ، رَأَيْتَ أَنْ يُعْلِمَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَهُ في ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ عَلَى رَجُلٍ يَقْضِيه، فَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ: أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةً؟ فَإِنْ قَالَ: لَا، قَضَى عَلَيْهِ.
فَإِنْ جَاءَ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ يَطْلُبُ بَعْضَ ذَلِكَ، لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي ذَلِكَ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى مَا قَالَ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْلَمْ بِبَيِّنَتِهِ هِيَ لَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَلَى الشُّهُودِ بَعْدَمَا زُكُّوا، أَنَّهُمْ شَرَبَةُ الْخُمُورِ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا أَوْ مُجَّانٌ أَوْ نَحْوُ هَذَا، أَوْ أَنَّهُمْ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ أَوْ بِالنَّرْدِ أَوْ بِالْحَمَامِ، أَيَكُونُ هَذَا مِمَّا تُجَرَّحُ بِهِ شَهَادَتُهُمْ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا قَدْ حُدَّا في الْقَذْفِ؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ الْمَحْدُودِ في الْقَذْفِ الَّذِي يُعْرَفُ بِالصَّلَاحِ وَالْحَالَةِ الْحَسَنَةِ قَبْلَ الْقَذْفِ، فَكَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ حَتَّى تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ؟
قَالَ: إذَا ازْدَادَ خَيْرًا عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ في الْخَيْرِ.
وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ رَجُلًا صَالِحًا، ثُمَّ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فَزَادَ عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَزَهِدَ في الدُّنْيَا.
فَبِهَذَا يُعْتَبَرُ إنْ كَانَ دَاعِرًا حِينَ ضُرِبَ الْحَدَّ في الْقَذْفِ فَعُرِفَتْ تَوْبَتُهُ فَهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، فَأَرَى إنْ أَقَامَ عَلَى الشُّهُودِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ جُلِدُوا في الْقَذْفِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ إلَى حَالَتِهِمْ الْيَوْمَ وَإِلَى حَالَتِهِمْ قَبْلَ الْيَوْمِ، فَإِنْ عَرَفَ مِنْهُمْ تَزَايُدًا في الْخَيْرِ أَوْ التَّوْبَةِ عَنْ حَالَةٍ كَانَتْ لَا تُرْضَى قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ.
قُلْت: فَهَلْ يُحَدُّ النَّصْرَانِيُّ في الْقَذْفِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا حُدَّ.
قُلْت: وَالْعَبْدُ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَكَمْ حَدُّهُمَا في قَوْلِ مَالِكٍ في الْفِرْيَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: النَّصْرَانِيُّ حَدُّهُ ثَمَانُونَ في الْفِرْيَةِ، وَالْعَبْدُ حَدُّهُ أَرْبَعُونَ في الْفِرْيَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَسْلَمَ هَذَا النَّصْرَانِيُّ، أَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَقَدْ كَانَ حُدَّ في الْفِرْيَةِ ثُمَّ أَسْلَمَ بِحَضْرَةِ مَا حُدَّ وَشَهِدَ؟
قَالَ: نَعَمْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي.
قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ في كِتَابِهِ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ].
قُلْت: فَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبِيدِ في شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْحُدُودِ وَالْجِرَاحَاتِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْحُقُوقِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ في شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ سَرَقَ مَتَاعَ فُلَانٍ أَتُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ في الْحُدُودِ وَتُضَمِّنُهُ السَّرِقَةَ، عَدِيمًا كَانَ أَوْ مُوسِرًا في قَوْلٍ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ يَشْهَدُ عَلَى الرَّجُلِ أَنَّهُ سَرَقَ مَتَاعَ فُلَانٍ: إنَّ الْحَدَّ لَا يُقَامُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمَشْهُودُ لَهُ مَعَ شَاهِدِهِ فيسْتَحِقُّ مَتَاعَهُ وَيَدْفَعُ الْقَطْعَ.
فَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لِرَبِّ الْمَتَاعِ، فيضْمَنُ السَّارِقُ قِيمَةَ ذَلِكَ وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَلَا يَمِينَ عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ، فَإِذَا حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَتَاعُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا ضَمِنَ ذَلِكَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ، إنْ كَانَ عَدِيمًا أَيَضْمَنُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ يَضْمَنُ في رَأْيِي.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: تَجُوزُ أَتَجُوزُ شَهَادَةُ الشُّهُودِ عَلَى شَهَادَةِ الشُّهُودِ في السَّرِقَةِ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الرَّجُلِ في الْفِرْيَةِ وَالْحُدُودِ كُلِّهَا وَالسَّرِقَةُ حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ أَنَّهُ سَرَقَ، فَقَدِمَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْغَائِبُ وَغَابَ الشُّهُودُ، أَوْ كَانُوا حُضُورًا فَقَدِمَ هَذَا الَّذِي شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ وَهُوَ غَائِبٌ، أَيَقْطَعُهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا حَتَّى يُعِيدَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ قَدْ اسْتَأْصَلَ الْبَيِّنَةَ في إتْمَامِ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّ مَالِكًا يُجِيزُ الشَّهَادَةَ عَلَى الْغَائِبِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لِلنَّاسِ، أَوْ الْحُدُودِ الَّتِي لِلَّهِ، فَلَمْ يَطْعَنْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَلَى الشُّهُودِ بِشَيْءٍ، أَيَحْكُمُ مَالِكٌ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَكَانَهُ إذَا لَمْ يَطْعَنْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ في شَهَادَةٍ الشُّهُودِ أَمْ لَا يَحْكُمُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ لَا يَحْكُمَ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَقَادَمَتْ السَّرِقَةُ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بَعْدَ حِينٍ مِنْ الزَّمَانِ، أَيُقْطَعُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، يُقْطَعُ عِنْدَ مَالِكٍ وَإِنْ تَقَادَمَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الْحُدُودُ كُلُّهَا شُرْبُ الْخَمْرِ وَالزِّنَا؟
قَالَ: نَعَمْ لَا يَبْطُلُ الْحَدُّ في شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتَ وَإِنْ تَقَادَمَ ذَلِكَ وَطَالَ زَمَانُهُ أَوْ تَابَ السَّارِقُ وَحَسُنَتْ حَالُهُ، وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ تَقَادَمَ بَعْدَ طُولٍ مِنْ الزَّمَانِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَهُوَ شَابٌّ في شَبِيبَتِهِ، ثُمَّ تَابَ وَحَسُنَتْ حَالُهُ وَصَارَ فَقِيهًا مَنْ الْفُقَهَاءِ عَابِدًا، فَشَهِدُوا عَلَيْهِ، أَيُحَدُّ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ يُحَدُّ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ السَّكْرَانَ يُؤْتَى بِهِ إلَى الْإِمَامِ، أَيَضْرِبُهُ مَكَانَهُ أَمْ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَصْحُوَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ مَالِكٌ: حَتَّى يَصْحُوَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ السَّرِقَةَ إذَا سَرَقَهَا السَّارِقُ فَبَاعَهَا فَأُخِذَ السَّارِقُ وَلَا مَالَ لَهُ فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أَصَابُوا السَّرِقَةَ الَّتِي بَاعَ قَائِمَةً عِنْدَ مُشْتَرِيهَا.
قَالَ مَالِكٌ: قَالَ لِي مَالِكٌ: تُؤْخَذُ السَّرِقَةُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيَتْبَعُ الْمُشْتَرَيْ السَّارِقَ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْمُشْتَرِيَ بِقِيمَةِ السَّرِقَةِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَتْلَفَهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، إنْ كَانَ هُوَ أَتْلَفَهَا أَكَلَهَا أَوْ حَرَقَهَا أَوْ بَاعَهَا وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَصَابَهَا تَلَفٌ مِنْ السَّمَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ رَجُلًا سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا فَصَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ، فَأُخِذَ السَّارِقُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الثَّوْبِ فَقُطِعَ، أَيَكُونُ لِرَبٍّ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَرَى إنْ أَحَبَّ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَنْ يُعْطِيَ السَّارِقَ قِيمَةَ الصَّبْغِ وَيَأْخُذَ ثَوْبَهُ.
فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَبَى بَيْعَ الثَّوْبِ، فَإِنْ كَانَ في ثَمَنِهِ وَفَاءٌ لِقِيمَةِ الثَّوْبِ يَوْمَ سَرَقَهُ السَّارِقُ كَانَ ذَلِكَ لِرَبِّ الثَّوْبِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ الثَّوْبُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَعْطَى الْفَضْلَ السَّارِقَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى السَّارِقِ شَيْءُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلسَّارِقِ مَالُ.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ: أَنَا آخُذُ ثَوْبِي وَأَدْفَعُ إلَيْهِ قِيمَةَ صَبْغِهِ؟
قَالَ: ذَلِكَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْغَاصِبُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَجَعَلَهُ ظَهَارَةَ جُبَّةٍ أَوْ ظَهَارَةَ قَلَانِسَ أَوْ بَطَائِنَ لِلْجِبَابِ، ثُمَّ أُخِذَ السَّارِقُ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرٌ ذَلِكَ فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَنَا آخُذُ ثَوْبِي وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعًا وَأَفْتُقُهُ؟
قَالَ: ذَلِكَ لَهُ في رَأْيِي، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ سَرَقَ خَشَبَةً فَأَدْخَلَهَا في بُنْيَانِهِ أَوْ عَمُودًا فَأَدْخَلَهُ في بُنْيَانِهِ، إنَّ لِرَبِّ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ كَانَ فيهِ خَرَابُ بُنْيَانِ هَذَا، فَكَذَلِكَ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ.
قُلْت: فَإِنْ أَبَى أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ فَاسِدًا؟
قَالَ: يُصْنَعُ بِهِ إذَا كَمَا وَصَفْتُ لَك في الَّذِي صَبَغَ الثَّوْبَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا سَوِيقًا وَلَتَّهَا، ثُمَّ أُخِذَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَقُطِعَ يَدُهُ وَقَالَ رَبُّ الْحِنْطَةِ: أَنَا آخُذُ هَذَا السَّوِيقَ؟
قَالَ: هُوَ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ، يُبَاعُ هَذَا السَّوِيقُ وَيُعْطَى حِنْطَةً مِثْلَ حِنْطَتِهِ تُشْتَرَى لَهُ مِنْ ثَمَنِ السَّوِيقِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ نُقْرَةَ فِضَّةٍ فَصَاغَهَا حُلِيًّا أَوْ ضَرَبَهَا دَرَاهِمَ، ثُمَّ أُخِذَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَقُطِعَ، كَيْفَ يَصْنَعُ بِهَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا وَزْنُ فِضَّتِهِ لِأَنِّي إنْ أَجَزْتُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِلَا شَيْءٍ كُنْتُ قَدْ ظَلَمْتُ السَّارِقَ عَمَلَهُ، وَإِنْ قُلْت لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَعْطِهِ قِيمَةَ عَمَلِهِ كَانَتْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ زِيَادَةً فَهَذَا الرِّبَا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ سَرَقَ مِنِّي نُحَاسًا فَصَنَعَهُ قُمْقُمًا أَوْ قِدْرًا، فَأُخِذَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ؟
قَالَ: هَذَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْفِضَّةِ، وَيَكُونُ لَهُ مِثْلُ وَزْنِ نُحَاسِهِ.
وَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَمَّا اسْتَهْلَكَ مِنْ النُّحَاسِ أَوْ الْحَدِيدِ وَالتِّبْرِ وَالْفِضَّةِ مِمَّا يُوجَدُ مِثْلُهُ، أَهُوَ مِثْلُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالطَّعَامِ؟
قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، لَيْسَ لَهُ في هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا مِثْلُ مَا اُسْتُهْلِكَ لَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ سَرَقَ خَشَبَةً فَصَنَعَهَا بَابًا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ في الْخَشَبَةِ قِيمَتُهَا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ غَنَمًا فَقَدَّمَهُ فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَلَا مَالَ لَهُ وَقَدْ بَاعَ الْغَنَمَ، ثُمَّ أَصَابَهَا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ وَلَدَتْ الْغَنَمُ عِنْدَهُ أَوْلَادًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَأْخُذُ الْغَنَمَ وَأَوْلَادَهَا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى السَّارِقِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ سَرَقَ وَالْيَمِينُ شَلَّاءَ؟
قَالَ: عَرَضْنَاهَا عَلَى مَالِكٍ فَمَحَاهَا وَأَبَى أَنْ يُجِيبَنَا فيهَا بِشَيْءٍ، ثُمَّ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَيُبْتَدَأُ بِهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى هَذِهِ الْآيَةِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [سُورَةُ الْمَائِدَة].
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ الَّذِي تَرَكَهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَهُوَ الَّذِي آخُذُ بِهِ أَنَّهُ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى.
قُلْت: فَإِنْ سَرَقَ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ شَلَلٌ قَالَ: يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ وَلَا يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُقْطَعُ شَيْءٌ مِنْ الشُّلَلِ.
قُلْت: فَإِنْ سَرَقَ وَإِصْبَعُهُ الْيُمْنَى، الْإِبْهَامُ ذَاهِبَةٌ، أَوْ إصْبَعَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ جَمِيعُ أَصَابِعِ كَفِّهِ الْيُمْنَى ذَاهِبَةٌ، أَيُقْطَعُ في قَوْلِ مَالِكٍ كَفُّهُ أَوْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى؟
قَالَ: أَمَّا الْإِصْبَعُ إذَا ذَهَبَ فَأَرَى أَنْ يُقْطَعَ، لِأَنِّي سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقْطَعُ يَدَ الرَّجُلِ الْيُمْنَى، وَإِبْهَامُ يَدِهِ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ.
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَالْإِصْبَعُ يَسِيرَةٌ، فَأَرَى أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ؟
قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا إصْبَعٌ أَوْ إصْبَعَانِ لَمْ أَرَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا إصْبَعٌ أَوْ إصْبَعَانِ فَهُوَ مِثْلُ الْأَشَلِّ، فَتُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى إذَا كَانَ أَشَلَّ الْيَدَيْنِ بِحَالِ مَا وَصَفْت لَك.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَصَابِعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِحَالِ مَا وَصَفْت لَك لَمْ تُقْطَعْ وَضُرِبَ وَسُجِنَ وَضَمِنَ السَّرِقَةَ؟
قَالَ: مِثْلُ الْأَشَلِّ الْيَدَيْنِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ سَرَقَ فَحَبَسَهُ الْقَاضِي لِيَقْطَعَ يَدَهُ بَعْدَمَا زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ السِّجْنِ فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُنَكَّلُ الَّذِي قَطَعَ يَدَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى السَّارِقِ وَلَا عَلَى الْقَاطِعِ إلَّا أَنَّ السُّلْطَانَ يُؤَدِّبُهُ فيمَا صَنَعَ.
قُلْت: فَإِنْ سَجَنَهُ الْقَاضِي، وَقَدْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِسَرِقَةٍ وَلَمْ تُزَكِّ الْبَيِّنَةُ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ وَاثِبٌ في السِّجْنِ فَقَطَعَ يَدَهُ، أَيَقْطَعُهُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَكْشِفُ عَنْ شَهَادَةِ هَؤُلَاءِ الشُّهُودِ، فَإِنْ زُكُّوا دَرَأَ عَنْ الْقَاطِعِ الْقِصَاصَ وَأَدَّبَهُ وَلَمْ يَقْطَعْ مِنْ السَّارِقِ شَيْئًا لِأَنَّهُ قَدْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَإِنْ لَمْ تُزَكَّ الْبَيِّنَةُ وَبَطَلَتْ أَمْكَنْته مِنْ الْقِصَاصِ مِنْ صَاحِبِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَمَرَ الْقَاضِي بِقَطْعِ يَمِينِهِ فَأَخْطَأَ الْقَاطِعُ فَقَطَعَ شِمَالَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُهُ وَلَا تُقْطَعُ يَمِينُهُ، وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
قُلْت: فَهَلْ يَكُونُ عَلَى الْقَاطِعِ شَيْءٌ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَا أَرَى عَلَى الْقَاطِعِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ يَكُونُ عَلَى الْقَاطِعِ عَقْلُ السَّارِقِ لَقُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ الْيُمْنَى بِسَرِقَتِهِ.